"لم نكن نعلم.. كما نعلم": هكذا فضحت ردة الفعل الجزائرية تجاه الموقف الفرنسي الجديد من الصحراء انقسام "الخارجية" بين تبون والجنرال مهنا
أعاد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية كخيار وحيد لحل القضية، إلى الواجهة، صراع القوى داخل دوائر صناعة القرار في الجزائر، وذلك بعد تعميم معطيات متضاربة يُفترض أن مصدرها واحد وهو وزارة الخارجية، التي يتردد أنها تُدار برأسين على الأقل، الأول هو الرئيس عبد المجيد تبون والثاني هو الجيش.
وفي 6 يوليوز 2024، وبدون سابق إنذار، أصدرت الخارجية الجزائرية جاء فيه "أخذت الحكومة الجزائرية علما، بأسف كبير واستنكار شديد بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة، وقد تم إبلاغ السلطات الجزائرية بفحوى هذا القرار من قبل، نظيرتها الفرنسية في الأيام الأخيرة".
هذه الصيغة تتحدث بشكل صريح عن أن الجزائر لم تكن تعلم من قبل بخطوة الرئيس الفرنسي، قبل أن يجري إخبارها حديثا عبر القنوات الدبلوماسية مع باريس، لكن المثير في الأمر أيضا هو أن هذا البلاغ نُشر في الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الجزائرية ثم جرى حذفه، كما حُذفت نسخة أخرى من حساب الوزارة على "فيسبوك" وأعيد نشرها مُجددا.
حالة الارتباك هذه سيؤكدها يوم الأربعاء، وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في ندوة صحفية قال فيها "لقد تم إطلاع رئيس الجمهورية بها (مضامين رسالة الرئيس ماكرون للملك محمد السادس) بصفة مسبقة من قبل نظيره الفرنسي خلال اللقاء الذي جمعهما يوم 13 يونيو الماضي، أي منذ أكثر من شهر ونصف"، وهو ما يناقض ما جاء في بلاغ وزارته.
وتابع الوزير الجزائري قائلا إن ذلك جاء على هامش اجتماع مجموعة الدول السبع بمدينة باري الإيطالية، وتابع أن ماكرون أنبأ تبون أنه "يعترف اعترافا صريحا بما يُسمى مغربية الصحراء"، موردا أن ماكرون أخبر تبون أن هذه الخطوة "ليست جديدة"، وهي "تذكير بموقف سبق أن أعربت عنه فرنسا في 2007، عند تقديم خطة الحكم الذاتي من طرف المملكة المغربية".
هذا الوضع يدفع للتساؤل مجددا عن الجهة المتحكمة في وزارة الخارجية الجزائر، فالمؤكد، وفق معارضين جزائريين وتقارير أجنبية، أن الشؤون الخارجية تدار عبر فريقين لا يربطها كثير من الود، الأول يقوده رئيس الجمهوري عبد المجيد تبون، وإليه ينتمي عطاف، والثاني يقوده الجنرال جبار مهنا، الأقرب إلى رئيس أركان الجيش السعيد شنقريحة.
وفي شتنبر من سنة 2022، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن تعيين جبار مهنا، على رأس المديرية العامة للوثائق والأمن الخارجي، وهو جهاز مخابراتي يتولى القضايا الخارجية، وجاء التعيين بناء على رغبة السعيد شنقريحة، إلا أن صدامات كثيرة حدثت خلال الأشهر الموالية بين تبون ومهنا، خرجت بعض تفاصيلها إلى العلن.
وفي 18 مارس 2023 سيُعين تبون وزيرا جديدا للخارجية، هو أحمد عطاف، ليعوض رمطان العمامرة، الذي راكم العديد من الإخفاقات الدبلوماسية خصوصا في ملف الصحراء، وبعد ذلك بأشهر، وتحديدا في يوليوز 2023، سيُقرر الرئيس الجزائري إبعاد الجنرال مهنا عن قائمة الترقيات وسيحرمه من ترقية كان من المتوقع أن تجعله منسقا عاما لأجهزة المخابرات.
ترقية مهنا الموؤودة تلك، التي كانت ستجعله رجل المخابرات ذو الصلاحيات الأوسع على الإطلاق، أكدت بالملموس أن الاثنين يتجاذبان أطراف تدبير الملفات الخارجية، بما في ذلك ملف الصحراء، لدرجة أن تبون لم يخبر قيادات الجيش برحلته إلى إيطاليا ما بين 13 و14 يونيو 2024، التي يُفترض أنه ناقش خلالها تطورات الموقف الفرنسي من ملف الصحراء وفق ما كشف عنه موقع "مغرب إنتلجنس".
وجاءت ردة الفعل المتناقضة لوزارة الخارجية الجزائرية، قبل وبعد الكشف عن مضامين رسالة الرئيس ماكرون إلى الملك محمد السادس، لتؤكد أن القرارات المتعلقة بالشأن الخارجي في الجزائر لا تصدر من مشكاة واحدة، حتى ولو حملت شعار المؤسسة ذاتها، وتعطي دليلا جديدا على وجود حالة من الصدام الداخلي بين الجيش ورئاسة الجمهورية.